نهر النيل .. وصل السكين للمحز
مياه
النيل و الاتفاقيات التاريخية المنظمة لها
إذا كان تعريف الأمن القومي لدولة ما هو
" حفظ حقها في البقاء " فإن نهر النيل يعد لمصر العامل الاساسي في
بقائها و خصب الحياة فيها ، و في الحقيقة فإن مصر التي ليس لها مصدر أخر للمياه
كانت المستفيد الأكبر من مياه النيل حتي عشرينات القرن الماضي ، فمصر تعتمد علي
النهر العظيم في الحصول علي 97% من احتياجاتها المائية.
و لم يحدث في اي وقت أن تحدي أحد حق مصر في
الحصول علي المياه التي تريدها و بالكمية التي تراها أو قام بأي عمل لمنع وصول
الماء إليها ، بل و لم يطرح موضوع تقسيم مياه النيل بين دول الحوض العشر إلا في
أواخر القرن العشرين ، فقد كان النيل حقا نهر مصر الذي لم ينازعها فيه أحد ، و لذك
فقد اكتسب نهر النيل منذ الأزل اهمية خاصة بالنسبة لمصر و من هذه الأهمية حرصت مصر
كل الحرص علي تأمين مصالحها في مياهه التي تحقق لها البقاء و التنمية و درء
التهديدات الداخلية و الخارجية التي تمس هذه المصالح تأمينا لأمنها القومي .
النيل هو مصر ، و مصر هي النيل .
فالنيل هو واهب الحياة لمصر و خالقها ، و هو
رسول الحضارة الرحيمة لها .. هكذا عرفه المصريون القدماء ، و عاشوا علي ضفافه منذ
فجر التاريخ ، فقدسوه و عبدوه تحت أسم ( حابي ) ، بذلوا الجهود الكبيرة في إزاحة
الستار عن جزء عظيم من مجراه .
سارت مياهه النقية بين قدمي كليو باترا ، و
أغتسل بمياهه الأنبياء و الرسل ، أرتبط أرتباطاً وثيقا بعادات و تقاليد و اساطير
المصريين علي مر العصور الفرعونية و البطلمية و الرومانية و الإسلامية .
لم يحتل النهر الخالد هذه المكانة العظيمة
منذ أقدم العصور لكونه أطول أنهار العالم بل لأنه النهر الذي أحيا بلدا و أوجدها
، فإذا هو يخصها بنفعه و يعمها بخيره ، ففضل التكوين الأول للتربة المصرية يرجع
إلي نهر النيل و لكن إعداد هذه التربة و تهيئتها لتكون بيئة صالحة لنشأة و قيام
واحدة من أقدم وأعرق الحضارات التي تركت آثرها علي تاريخ البشرية من عمل الإنسان
المصري .
ثم جاء اليونان الرومان و العرب فتناولوا
مسألة النيل و منابعه بالبحث و الاستقصاء ، و في العصر الحديث اضطلعت مصر بتنمية
منابع نهر النيل ، فقام محمد علي بإرسال
البعثات العلمية و الاستكشافية و التي أدت
إلي استكمال استكشاف كل منابع النهر
العظيم بحلول عام 1877 مـ و التي لم تقتصر
علي منابع الهضبة الإثيوبية و بحيرة فيكتوريا بل ضمت بوروندي و ورواندا و الكونغو
إلي هذه المنابع ، و قامت بالعمليات الفنية اللازمة لتسهيل انتقال و وصول المياه
من هذه الدول إلي مصر ، حتي ذلك الوقت لم يكن هناك أي تنظيم لاستخدام نهر النيل
بين دول الحوض ، و السبب هو عدم وجود حاجة ملحة لذلك لاعتماد معظم الدول علي
الأمطار و البحيرات باستثناء مصر التي تعتمد بشكل اساسي علي مياه .
مزرعة القطن
و عندما بدأ صراع الدول الأوربية للإستيلاء
علي إفريقيا في منتصف القرن التاسع عشر ، عملت الدول الاستعمارية علي تقسيم القارة
إلي مناطق نفوذ ، و عمدت إلي عقد عقد اتفاقيات لتقسيم مياه النيل بين دوله لتعزيز
هيمنتها و ضمان تدخلها من حين أخر بحجة السيطرة علي النزاعات .
و علي هذا عندما أعلن إخلاء المصريين من
السودان و سقوط مدينة الخرطوم في اعقاب الثورة المهدية ، اعتبرت هذه الدول ما عدا
إنجلترا طبعا " الأرض بلا صاحب" ، و حاولت الزحف نحو تلك الأراضي و كان
أمل إنجلترا أن تمنع ذلك الزحف حتي لا تقع أعالي النيل و منابعه في ايدي دولة آخري
تهدد مصر و هي صاحبة الشأن فيها
فبدأت في تخطيط حدود إقليم حوض النيل و شرق
إفريقيا الذي سقط في ايدها بعد أن استولت علي مصر و ورثت عنها أملاكها التي إمتدت
حتي إفريقيا الاستوائية .
و لذلك يعتبر المؤرخون الاحتلال البريطاني
لمصر و الثورة المهدية في السودان و مقتل
السردار الإنجليزي حاكم السودان و نهايته وما تبعه من إخلاء السودان من المصريين
حوادث مهمة جدا و مؤثرة لحركة الاستعمار في إفريقيا و مساعي الدول الاستعمارية
المختلفة لاقتطاع أجزاء من القارة السمراء بهدف الوصول لمناطق أعالي النيل و
السيطرة علي خيرات النهر العظيم بما يخدم مصالحها و أطماعها .
و يمكن القول بأن العشرين سنة الأخيرة من
القرن التاسع عشر شهدت وضع الخطوط الرئيسية للخريطة الإفريقية كما نعرفها الآن
بموجب عمليات دبلوماسية دقيقة بين الدول التي اشتركت في التقسيم و هي :إيطاليا ،
بلجيكا ، فرنسا ، ألمانيا ، و إنجلترا ، وكانت بريطانيا التي تحظي بنصيب الاسد
لاستعمارها كل من مصر و السودان و اوغندا و كينيا و تنزانيا حريصة أشد الحرص ألا
تقع مناطق أعالي النيل و منابعه في ايدي دولة آخري تهدد آمن مصر و السودان المائي
و هي صاحبة الشأن فيهما ، فعملت علي تأمين وصول المياه الكافية لمصر اللازمة لزراعة
القطن الذي كانت تطلبه المصانع الإنجليزية ( أو مزرعة القطن كما اطلق عليها
)، و كانت تراعي ذلك في كل الاتفاقيات التي كانت تبرمها مع باقي الدول المستعمرة
للقارة ، تاركة لنا إرثا تاريخيا من
المعاهدات التي ثبت حق مصر تاريخي لمصر في مياه النيل و تؤكده و تنظم آلية التعامل
مع مياه النيل .
حق الإرتفاق
يرجع أول
اتفاق لتنظيم مياه النهر إلي نهايات القرن التاسع عشر ، فبعد فتوحات
الخديوي إسماعيل في القرن الإفريقي ، ضم الخديوي من خلالها جزءا كبيرا من أرضي
الحبشة ( إثيوبيا حاليا ) إلي المملكة المصرية (
مصر و السودان ) . و قد اتفق من بعده الخديوي عباس علي رد الأراضي الإثيوبية
مقابل اتفاق ( حق الإرتفاق ) ، و هي اتفاقية تم الاتفاق بها علي دفع مصر مبالغ
مالية إلي إثيوبيا علي هيئة أقساط سنوية مقابل وقف الانتفاع بتلك الأراضي و عدم
إقامة أي سدود بها تعوق وصول النيل لمصر إلا بموافقة مصر ، و كانت أخر قسط لتلك
الأراضي كان عام 1959 مـ ، و تم
الحصول علي نسخة موثقة من تلك العقود بين مصر و إثيوبيا .
كما ساهمت مصر في إقامة أول أول نظام مصرفي
اقتصادي و مالي حديث في إثيوبيا بإنشائها بنك الحبشة عام 1905 ، و ذلك في عهد
الخديوي عباس حلمي الثاني و الإمبراطور منليك كفرع للبنك الأهلي المصري ، حتي
سلمته الحكومة المصرية إلي الحكومة الإثيوبية طواعية عام 1931 مـ .
بروتوكول روما عام 1891 مـ .
وقع بين بريطانيا العظمي ( ممثلة عن مصر و
السودان ) و إيطاليا ( عن إثيوبيا و اريتريا ) و فيه اعترفت بريطانيا بدائرة نفوذ
إيطالية تمتد من ساحل إريتريا و تشمل جميع الحبشة ( إثيوبيا ) و تنتهي علي ساحل
المحيط الهندي بما فيها الصومال الإيطالي ، و البند الثاني فيه " تتعهد
الحكومة الإيطالية بعدم إقامة أي منشآت لأغراض الري علي نهر عطبرة تؤثر علي كميات
مياه النهر التي تصل إلي السودان و مصر علي نحو محسوس ، كما يقرر ضرورة التشاور بين
الدولتين قبل القيام باي مشروعات علي النهر " .
المعاهدة البريطانية الإثيوبية .
اتفاقية أديس ابابا عام 1902 :
بين بريطانيا العظمي و أمبرطوار الحبشة (
منيلك الثاني ) بعد حصولها علي الاستقلال و إنهزام الإيطاليين علي يد الأحباش في
موقعة العدو عام 1896 مـ ، وهي اتفاقية لتنظيم الحدود بين السودان و الحبشة بحيث يقع النيل الأبيض و الأجزاء السفلي من
العطبرة و النيل الأزرق و السوباط داخل حدود السودان ، و لكنها تضمنت نصا خاصا
يتعلق بمياه النيل حيت نصت الماده الثالثة منها علي " تعهد ملك الحبشة
للحكومة البريطانية بألا يصدر تعليماته أو
يسمح باصدارها ، فيما يتعلق بعمل اي شيء علي النيل الأزرق و نهر السوباط من شأنه
منع جريان المياه إلي النيل إلا بالإتفاق مع الحكومة البريطانية و حكومة السودان .
و
ترجع أهمية هذه الاتفاقية في تقسميها المجري المائي لنهر النيل تقسيم حدوديا لا
يقبل التعديل ، و في تأكيدها علي حقوق دول مجري النهر التي تقررها القواعد
القانونية العامة لتنظيم استغلال الانهار الدولية و التي تقضي بتحريم الاستغلال
الضار و ضرورة اتفاق الدول المعنية حول كل ما يتعلق بتنظيم استغلال النهر .
اتفاق عام 1906.
و هو اتفاق بين الملك أدوارد السابع ملك
المملكة المتحدة بريطانيا و الملك ليوبولد الثاني عاهل دولة الكونغو المستقلة ،
وقع في لندن في 12 مايو سنة 1906 لتعديل مناطق نفوذهما و تعين الحدود السودانية
الكونغولية و التي كانت قد تحددت في اتفاق سابق و في الاتفاق الجديد تعهدت حكومة الكونغو " بأن لا تقيم أو
تسمح بإقامة أية أشغال علي نهر سمليكى أو نهر أوسانجو أو بجوار أي منهما يكون من
شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة ألبرت مالم يتم ذلك بموافقة الحكومة
السودانية "
كما شهد نفس العام اتفاق أخر بين بريطانيا و
فرنسا و إيطاليا في الثالث عشر من ديسمبر ، التزمت بموجبه الدول الثلاث بأن تتعاون
في حفظ الوضع الراهن في الحبشة و علي أن يعملوا معا لتأمين مصالح بريطانيا و مصر
في حوض النيل ، و تحديدا تأمين وصول مياه النيل الأزرق و روافده إلي مصر مع الأخذ
في الاعتبار المصالح المحلية للدول التي يمر فيها النهر .
و بإبرام هذه الاتفاقيات و المعاهدات و
البروتوكولات تم تأمين وصول مياه النيل إلي مصر التي كان مستعمروها الجدد يعدونها
لكي تكون مزرعة للقطن.كما أن هذه الاتفاقيات التي تمت في عهد مضي زمانه هي
الإتفاقيات الوحيدة التي تنظم مياه الأنهار النابعة من إثيوبيا و الكونغو و هي
بالنسبة لمصر لازالت قائمة و ملزمة علي الرغم من أن بعضها وقعته الدول المستعمرة
نيابة عن الدولة المختصة و تعترف منظمة الوحدة الأفريقية أيضا بهذه الاتفاقيات لان
الكثير منها يتعلق بتحديد حدود الكثير من دول افريقيا حديثة الإستقلال .
اتفاقية عام 1929 و توزيع المياه
بين مصر و السودان
من أهم
الأتفاقيات الخاصة بمياه النيل حيث كانت مصر طرفاً مباشرا فيها لأول مره ،
وقعت في 7 مايو من سنة 1929 ، بين مصر و
بريطانيا (ممثلة عن السودان و باقي دول مجري النيل الواقعة تحت الإمتياز البريطاني
أوغندة ، كينيا ، تنجانيقا ) ، وعنيت بتنظيم ضبط استخدام مياه النيل في السودان
بحيث لا يؤثر علي حق مصر المكتسب فيها ، و كانت علي صورة خطابين متبادلين بين رئيس
الحكومة المصرية احمد زيور باشا و المندوب
السامي في مصر اللورد لويد ، عقب أزمة
تفجرت بينهما بسبب تأجيل تنفيذ توصيات لجنة ( ماكدونالد )، حيث كان قد بدأ السودان
في زراعة القطن في أوائل القرن العشرين ، و قد وافقت الحكومة المصرية علي أن يقوم
السودان بضخ كمية المياه اللازمة لزراعة 10 آلاف فدان بمنطقة الجزيرة في عام 1904
مـ ، و لزراعة 20 آلف فدان في سنة 1909 م ـ و في الوقت نفسه وافقت مصر علي أن يسحب
السودان اي كمية من مياه النيل الأزرق في وقت الفيضان ، و قد ظلت مساحة الأرض
المروية في السودان ثابتة عند حد العشرين ألف فدان لحوالي عشر سنوا ت حتي قرر
السودان زيادة أراضي الجزيرة المروية إلي 300 ألف فدان مرة واحدة ، وقد أزعج هذا
القرار الحكومة المصرية فقامت بتشكيل لجنة لدراسة تأثير هذا التوسع الزراعي علي
موارد مصر المائية و قد راس اللجنة السير " مردوخ ماكدونالد " و الذي
نشر تقريرا راي فيه ان التوسع الزراعي للسودان لن يؤثر علي مصر فإحتياجات البلدين
بعد هذا التوسع يمكن تدبيرها ، و اقترح ماكدونالد إقامة خزان سنار علي النيل
الأزرق لتأمين مياه مشروع الجزيرة بالسودان و خزان جبل الأولياء علي النيل الأبيض
لتأمين المياه الصيفية التي تحتاجها مصر .
و إلا أن الكثيرون اعترضوا علي مشروع
ماكدونالد مما دعا الحكومة المصرية إلي تأجيل النظر في المشروع كله، أزعج ذلك
الحكومة البريطانية و التي استغلت مقتل السردار الانجليزي عام 1924 لإنذار
القاهرة بأنها ستستخدم ما شاءت من مياه
النهر لتزرع ما تريده من الأراضي السودانية ، إذا لم تشكل لجنة دولية تحدد نصيب كل
من مصر و السودان ، و خضعت القاهرة و تم تشكيل " لجنة مياه النيل"
من الهولندي المسيو كانتر كرمرز رئيسا و المستر ماك جريجور ممثلا لبريطانيا
و عبد الحميد سليمان باشا ممثلا عن الحكومة المصرية لإعادة النظر في مشروع ري الجزيرة و تقدير ما
ينمكن الإستغناء عنه من مياه النيل الأزرق في السودان بدون إضرار بما لمصر من
الحقوفق الطبيعية و التاريخية في ذلك ، و
أقرت اللجنة حق السودان في التوسع الزراعي بشرط ألا يسبب ذلك إفتئاتا علي حقوق مصر
التاريخية في المياه مقدرة لمصر 48 مليار م3 سنويا و للسودان 4 مليارات م3 ، و
اصبح تقرير لجنة ( كرمرز ) اساسا لاتفاقية مايو 1929 بين البلدين و التي أعلن عنها رئيس الوزراء احمد زيور باشا
في حفل كبير حضرة الملك فاروق الأول و عدد من الأعيان و رجال الصحافة ذاكرا ما نصه
( أن أمر مياه النيل قد تقرر نهائيا لصالح مصر و أن بالاتفاق وقع عليه بينه و بين و بين المندوب السامي اللورد لويد .
و الواقع أن هذه الأتقاقية ليست إلا اقرار
لواقع الحقوق المكتسبة لكل من مصر و السودان في مياه النيل و تنظيما لكيفية إقتضاء
هذه الحقوق ، و هي فوق هذا و ذاك ليست اتفاقية مقفلة علي الماضي بل أنها اتسعت
فتناولت احتمالات المستقبل حيث تضمنت القواعد العامة التي يؤسس عليها حساب توزيع
الماء المباع كما تضمنت الاتفاقية سُلف من المياه تعطي ثم تسترد وفق احوال إيراد
النهر المتغيرة من سنة لآخري .
و قدا إرتكزت هذه الاتفاقية علي نقطتين هامتين
هما :
أولا : الاعتراف الصريح بحقوق مصر الطبيعية و
التاريخية في مياه النيل فخطاب المندوب السامي البريطاني إالي رئيس الحكومة
المصرية احمد زيور باشا يذكر ما نصه " و في الختام اذكر دولتكم أن حكومة
جلالة الملك سبق لها الإعتراف بحق مصر الطبيعي و التاريخي في مياه النيل و اكرر ان
حكومة جلالة الملك تعتبر المحافظة علي هذه الحقوق مبدأ اساسيا من مباديء السياسة
البريطانية ، كما أوكد لدولتكم بطريقة
قاطعة أن هذا المبدأ و تفصيلات هذا الاتفاق ستنفذ في كل وقت أي كانت الظروف "
.
ثانيا : تنص الإتفاقية علي ألا تقام بغير أذن
سابق مع الحكومة المصرية أي اعمال ري أو توليد كهرباء ، و لا تتخذ اي إجراءات علي
النيل و فروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد
الواقعة تحت الإدارة البريطانية يكون من شأنها إنقاص مقدار الماء الذي يصل إلي مصر
أو تعديل تاريخ وصوله ، أو تخفيض منسوبه
علي نحو يلحق الضرر بمصالح مصر .
الاتفاقية المصرية البريطانية
كانت حصيلة مذكرتان الأولي بعثتها بريطانيا
وكيلة عن أوغندا لمصر في19 يناير 1949 قالت " نظرا لحاجة أوغندا الملحة
للطاقة الكهربائية فأنها تري عمل خزان لتوليد الكهرباء " و تعهدت بأن إنشاء
الخزان و تشغيله لن يضر بحصة مصر من المياه .
و ردت الحكومة المصرية بمذكرة مؤرخة في 5
فبراير 1949 بأنه " لما كانت السياسة المصرية تقوم علي إقامة عدة مشروعات
للتحكم في مياه النيل ، منها التخزين
السنوي و تكوين احتياطي في بحيرة فيكتوريا فإن المصلحة المتبادلة لكل من مصر و أوغندا
هي أن تتعاونا في بناء الخزان عند مخارج البحيرة لأغراض الري في مصر و توليد
الكهرباء في أوغندا "
و بناء عليهما تم إنشاء خزان أوين عام 1954
بعد مراعاة الملاحظات المصرية علي تصميم الخزان .
اتفاقية الأمن المائي
اتفاق القاهرة الخرطوم 1959
عند التفكير في بناء السد العالي دخلت مصر و
السودان ( الذي قد نال استقلاله للتو ) في مفاوضات انتهت بعقد اتفاقية بين
الجمهورية العربية المتحدة ( مصر ) و
جمهورية السودان للانتفاع الكامل بمياه النيل وُقع في 8 نوفمبر سنة 1959مـ بمقر وزارة
خارجية الجمهورية العربية المتحدة ، و جاءت هذه الاتفاقية مكملة لاتفاقية
المياه المعقود عام 1929 لا لاغية لها .
فكانت حكومة السودان قد طالبت بعد الاستقلال
باعادة النظر في اتفاقية عام 1929 باعتبارها لم تكن طرفا بنفسها فيها و إنما
أبرمتها الحكومة البريطانية نيابة عنها ، فضلا عن أن تقدم السودان و آفاقه
المستقبلية خاصة في مجال الزراعة يتطلب زيادة حصته من مياه النيل ، وافق
فيه السودان علي أن تقوم مصر ببناء السد العالي و تقسيم المياه التي سيوفرها بناؤه
، و وافقت مصر علي إقامة السودان خزان الروصيرص علي النيل الأزرق ، و دفعت القاهرة
15 مليون جنيه مصري تعويضات عن الاضرار تلحق بالممتلكات السودانية جراء بناء السد
و لتعويض سكان حلفا و غيرهم الذين تعهدت الخرطوم بترحيلهم ، و لتحقيق التعاون
الفني بين البلدين و للسير علي البحوث و الدراسات اللازمة لمشروعات ظبط النهر و
زيادة إيراده وافقت الدولتان علي أن تُنشأ هيئة فنية دائمة بعدد خبراء متساو من كل
منهما ، كما تركت الباب مفتوحا لاي دراسة فنية يريد اي طرف من دول حوض النيل
القيام بها .
و لعل من أهم بنود الاتفاق ما جاء في باب
الأحكام العامة ، أن يتخذ البلدان موقفا موحدا إذا ما دعت الحاجة لإجراء مفاوضات
حول مياه النيل مع أي بلد من البلاد الواقعة خارج حدود الدولتين و و أن يبحثا معا
مطالب هذه البلاد إن طلبت نصيبا من مياه النيل بعد دراسته بمعرفه الهيئة الفنية .
و طبقا للإتفاقية وزع صافي المياه الذي وفره
السد العالي ، لتصل حصة مصر السنوية ل 55 مليار م3 و السودان ل 18 مليار م3 حتي
وقتنا الحالي .
اتفاق القاهرة
وقع في يوليو 1993 بين الرئيس الاسبق حسنى
مبارك و رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ( ميلس زيناوي ) في القاهرة و تعهد فيه الطرفان
ب " الامتناع عن أي نشاط يضر بمصالح الطرف الاخر " ، و بالتشاور و
التعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة ، و علي إنشاء لجنة لمناقشة الموضوعات
ذات الأهتمام المشترك بما فيها مياه النيل .
الاستقلال و أزمة المياه
هذه العرض السريع للاتفاقيات التي ابرمت بين
دول النهر يظهر أنه لا يوجد في الحقيقة اتفاق بين دول المنبع و المصب علي طريقة
توزيع مياه النيل أو رصد احواله أو تقنين سريانه في مختلف البلدان ، فمعظم
الاتفاقيات مع دول الحوض قديمة تمت مع القوي المستعمرة و في إطار نظام عالمي راح
زمانه .
فمنذ أوائل الستينيات و بدأت تواجهنا مشكلات مع دول الحوض المجاورة بعد حصولها علي
الاستقلال ، وبدات بالإنقلاب علي الاتفاقيات مطالبة بحصص متساوية من مياه النهر بل
و مطالبة كل من مصر و السودان بدفع أثمان المياه القادمة من بحيرة فيكتوريا حيث
ينبع النيل .
فكان " الاستقلال " بمثابة كلمة السر في أزمة مياه النيل و المحرك
الأساسي لرفض هذه الدول الإعتراف بحصتي مصر و السودان من المياه .
فأعلنت كلا من إثيوبيا و أوغندا و كينيا و
تنزانيا عقب استقلالها مباشرة عدم اعترافهم بالإتفاقيات المنظمة لتقاسم مياه النيل
و خاصة اتفاقيتي 1929 و 1959 متحججة إنها وقعت بين مصر و السودان من ناحية و الدول
الاستعمارية من ناحية اخري ،
فأبلغت كلا من مصر و السودان في مذاكرات عديدة عن رفضها الالتزام بما جاء في
المعاهدات و المذكرات المتبادلة بين القوي الاستعمارية التي كانت وكيلا عنها وقت
توقيعها و دول المصب ، و منها المذكرة التي ارسلتها تنزانيا إلي كل من مصر و
السودان و بريطانيا فورا اعلان استقلالها في سنة 1962 لتبليغهم عدم التزامها باي
تعهد كانت قد قامت به الحكومة البريطانية و خصت بالذكر المذكرة المصرية البريطانية
التي تبادلت بشان اتفاق المياه بين مصر و السودان عام 1929 ، و كان رد الحكومة
المصرية علي هذه المذكرة بأنها تعتبر الاتفاقية ساريه المفعول حتي يتم استبدالها
باخري يوافق عليها الطرفان
و أيدت دول
المنابع الاعلان الذي الذي أصدره الرئيس التنزاني الراحل ( جوليوس نيريري ) ، و
عرف ب " مبدأ نيريري " نسبة إليه
،و الذي أكد فيه " أن الدول المستقلة عن الاستعمار غير ملزمة بما
وقعته الدول الاستعمارية قبل الاستقلال من إتفاقيات و معاهدات " .
حتي إنتهت بما اطلقوا عليه إتفاقية عنتيبي التي تهدر حقنا في الأمن المائي و
تهدر حقنا في الاعتراض علي أي مشروعات تقام علي النيل ، بل و
تطالب بإعادة تقسيم حصص المياه بين دول الحوض ثم تفاجئنا إثيوبيا بتحويل مجري
النيل الأزرق إيذانا ببدء الخطوات الفعلية لبناء سد النهضة ، مستغلة إرتباك المشهد
السياسي المصر في السنوات الماضية .
واليوم
وصلت السكين للمحز فهل من يشعر بها ؟!
إن مصر
تحترم اتفاقيات النيل و ترحب باي تنسيق للاستفادة من هذه المياه بما يعود بالخير و
الرفاهية علي
دول الحوض
ان تعلم أن مياه النيل ليست سلعة تباع و تشتري و انما هي تشكل موضوعا أمنيا
قوميا هاما لمصر و غير قابل للعبث و المزايدة ، إن قضية النيل تمثل قضية حياة و
مصر لا تعارض اي مشروعات تنمية تقيمها دول حول النيل التسع بشرط اشتراك كل الاطراف
حفاظا علي حق كل دول في استخدام مياهه طبقا للاتفاقات الدولية المتعارف عليها ،
أننا بحاجة إلي اتفاق جماعي يجمع حوض النيل و يحافظ علي حقوق جميع الدول في الإنتفاع
بمياهه .
فكما قال
العالم الراحل د / جمال حمدان في كتابه شخصية مصر
" السياسة المائية لدول لنهر النيل هي التعاون و ليس
الصراع ، التكامل و ليس التناقض " . فليس في العالم كله نهر إرتبطت به حياة
السكان الذي يعيشون في حوضه كما إرتبطت حياة سكان وادي النيل العظيم ، ذلك النهر
الذي كان دائما و أبدا ملهما للشعراء و الأدباء ،
هذا النهر الذي ورد ذكره في التوراة و القرآن
في مواضع عده و خصه الله سبحانه وتعالي بلفظة " اليم " التي تطلق علي
البحار التي لا تنضب ، في قوله عن سيدنا موسي عليه السلام و فرعون مصر }
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ
يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ {
، فجاءت وقفاً علي نهر النيل دون غيره من
الأنهار .
بقلمي
مها علي
ديسمبر 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق